كتاب « صورة البطل في قصص أطفال فلسطين » للناقدة والأكاديمية الفلسطينية المقيمة في مدينة القدس "وفاء شاهر داري" يُعدّ دراسة مُتفردة بخصوصيتها، تهدف إلى إلقاء الضوء على النِتاج الأدبي الذي خطَّته أقلام الكُتَّاب الفلسطينيين ممن كتبوا عن أدب الطفل، وصوَّروا حياة الطفل الفلسطيني في الهجرة والتشرد، ومعاناته تحت الاحتلال، والآثار المترتبة عن ذلك من سِجن وشهادة وفقر وحرمان، وكذلك الأدُباء الذين أبدعوا في كتاباتهم، فمنهم من عايش النكبة طِفلاً، ومنهم من عاصر النكسة، ومنهم من تربَّى على الانتفاضات المتتالية التي نسجوها بدمائهم الزَّكية.
ولم تغفل الدراسة التأصيل لإبداع بعضٍ من الأطفال الذين كتبوا قصصًا تعكس مشاعر الطفولة من خوفٍ وفزعٍ من ممارسات يدِّ البطش، حين يقتحم الجُند مساكنهم في ظُلمة الليل ليقتادوا أبًّا أو أخًا أو أختًا وحتى أُمًّا؛ إلى غياهب السجون، تحت أنظار وأسماع الأطفال، الذين نشأوا جيلاً بطلاً مقاومًا لا يهاب ولا يفزع.
ولربما كان للمؤلفة دافعٌ لطرح هذه الدراسة؛ هو ما عايشته من تجربة الشهادة لعزيزٍ قد رحل، وخلَّف وراءه مرارة الفقد وأطفالاً صِغارًا، وهي التي نشأت في رحِم الانتفاضة وبين صور الشُّهداء جيلاً بعد جيل، مما حفر في الذاكرة مشاهدَ لا تُنسى.
جاءت هذه الدراسة لتبحث في جانبين: نظري وتطبيقي، فالنظري تناول تطور أدب الأطفال العربي والمحلي وتطوره، وبيَّن مصطلحات البحث لمفهوم الطفولة والبطولة، والتطبيقي من خلال تحليل النصوص المختلفة سواء كانت نثرية أم شعرية، بهدف تبيان صورة البطل، والتي جاءت متعددة الزوايا، مما استدعى سبر أغوار نفسية تلك الخاصية في كثير من الأحيان للكشف عن مكنوناتها.
كتاب «صورة البطل في قصص أطفال فلسطين» يتضمن مقدمة، ومدخلاً، وفصلين موسَّعين، وخاتمة، وقائمة مصادر.
تناول المدخل تحديد مصطلحات البحث حول أدب الأطفال عامّة وأدب الأطفال الفلسطيني المحلّي في الداخل الفلسطيني واتجاهاته خاصَّة.
بينما يعرض الفصل الأول سيرورة أدب الأطفال الفلسطيني عامَّة ومراحل تطوره تم وصفه في مراحل ثلاث، وتناولت فيه المؤلفة خيال البطولة والقدوة والتقليد لدى الطفل، مُبينة مفهوم البطولة لُغةً واصطلاحًا، والبطولة في منظار الطفل وصورها في قصص الأطفال.
وتناول الفصل الثاني؛ المحاور والمضامين للبطولة في قصص الأطفال، وشخصية الطفل الفلسطيني المُشرَّد، والبطل المُقاوِم في قصص الأطفال، وكيف تُنبت الأرض طفلاً بطلاً مُقاوِمًا، وكيف تتحول الأم الفلسطينية بطلة مُقاومِة كالرجل في ميدان الصراع مع المُحتلّ، وبيَّنتْ فيه صور البطل الشهيد الذي أصبح نموذجًا، كما بيَّنتْ فيه صورة الفقد وأثره على نفسية الطفل، والبطل بين الموجود والمنشود. ثم أتمَّت هذا الفصل بتبيان كيف أن قهر الحواجز والأسلاك الشائكة؛ يولد أبطالاً يصنعون الحرية.
وتختم الباحثة دراستها بالنتائج التي توصلت إليها، ومن أهمها الدور الذي تلعبه قصة الأطفال في تنمية وتثبيت الانتماء الوطني، وتعميق الهوية السياسية لدى الطفل، حيث عبرَّت بعض القصص عن تأثير شخصية البطل في كل مكوناته، سواء مُقاوِمًا أو شهيدًا، أو سجينًا، على نفسية الطفل، فأصبح نموذجًا يُقتدى به. كما عبَّرتْ بعض القصص عن غايتها في تعميق الانتماء للأرض والتمسك بها، والتضحية من أجلها. وقد كشفت معظم القصص كذب وزيف مقولة المحتلّ الغاصب: (سيموت الكبار وينسى الصغار، وتصبح الأرض مِلكًا لنا). فكل قصة تؤكد تعاظم الانتماء للأرض وعشقها والتضحية فِداءً لها، جيلاً بعد جيل.