انتهينا في مؤلف سبق من استعراض جملة القواعد والأصول التي يمكن الانطلاق منها إلى بناء وصياغة نظرية إسلامية في السياسة والحكم وبناء هذه النظرية لابد أن يبدأ من الإمساك بالمفردات والمكونات الخاصة بالنظريات السياسية المعاصرة والمسيطرة على التجارب السائدة في جميع أنحاء العالم المنعوت بالمتقدم وبعد ذلك نستنبط من رصيدنا الإسلامي الزاخر ما يماثلها ويناظرها اصطلاحاً ووظيفةً وما يفوقها تنظيماً وترتيباً وما يتجاوزها تحضراً وتقدماً وما يعلوها كفاءةً وفاعليةً إن ما تقدم في المؤلف المذكور كان بمثابة معطيات وحيثيات أصّلت للظاهرة السياسية وقعّدت لها عند المسلمين أما هذا المؤلف فسيكون بمثابة الأفعال والتصرفات والترتيبات المبنية على الأصول والقواعد ومن ثم يجمع المؤلفان رؤية المسلمين ووجهتهم المعاصرة تجاه الظاهرة ثم سلوكاتهم لممارسة السياسة .
إننا لم نشأ ونحن بصدد صياغة هذا البناء الفكري المتكامل أن ندفع بأفكار نظرية مجردة ولكننا اجتهدنا من أجل إقامة أو إنشاء هيكل أو بناء من تلك الأفكار لكل فكرة موقعها الذي يعكس دورها الوظيفي في ذلك البناء ثم يبدو البناء في النهاية كلاً متكاملاً مشدوداً بعضه إلى بعض من خلال العلاقات الارتباطية بين أجزائه ومكوناته من الأفكار والمفاهيم .
من استعراض الأفكار والمفاهيم الإسلامية في إطار بناء نظرية سياسية ينقل تلك الأفكار من حيز التجريد إلى واقع الوظيفية التي تقرَّب إلى الذهن فاعلية وكفاءة المفاهيم والأفكار الإسلامية عندما توضع موضع التطبيق وتثِبت للجميع أنها قابلة للتفعيل في كل زمان ومكان نبدأ هذا البناء بمجموعة من القواعد والأسس النظرية نعرض فيها للطرح الإسلامي إزاء بعض الأفكار والنظريات التي انتشرت وسادت وتعامل معها البعض على أنها مفردات أساسية في النظرية السياسية الغربية وتمثلت تلك المفردات في نظرية السيادة ونظرية الدولة ونظرية النظام السياسي ثم ننتقل إلى دراسة وتحليل أهداف الدولة في الإسلام .
ويلاحظ على أهداف الدولة في الإسلام أنها ذات خصوصية وتفرُّد وأكثر تطوراً وتميزاً وفعالية بعد ذلك نعرَّج على دراسة المنهاج الإسلامي [النظام السياسي في الإسلام] الذي يتولى مهمة تحقيق أهداف الدولة وللنظام السياسي في الإسلام خصائصه ومميزاته التي تدفع به إلى مقدمة النظم الأكثر تحضراً ورقياً في العالم أما القيم السياسية الإسلامية فلها حظ وافر داخل النظرية السياسية الإسلامية ومن هذه القيم ما جاء في ثنايا جزئيات داخل البناء النظري مثل الشورى التي جاءت في كنف النظام السياسي ومثل النصح والتوجيه التي جاءت في جزئية مستقلة ومنها ما انتظم في نسق مستقل مثل العدالة والمساواة والحرية وفي قمة النظرية السياسية الإسلامية تأتى مسئولية النصح والتوجيه التي تمارسها الأمة عبر وسائل وأدوات معينة للحاكم أو ولي الأمر وكل من يتولى المسئولية في الدولة الإسلامية وتأتى هذه القيمة كقيمة حضارية لم يتوصل الفكر البشري إلى صياغتها وتطبيقها إلاّ بعد مئات السنين من العناء والمشقة إن الأدوات والوسائل النظامية والتنظيمية التي احتوتها النظرية السياسية الإسلامية تحتاج دوماً إلى تطوير وتجديد بما يتواءم مع طبيعة المجتمعات الإسلامية وخصوصياتها التي قد تحمل بعض التمايز والتباين ولعله من الأهمية والضرورة بمكان للطرح الإسلامي في مجال السياسة والحكم فكراً وحركة أن تتم عملية التطوير والتجديد داخل المجتمعات الإسلامية ويأتي هذا المصنف في تسعة عشر فصلاً على النحو التالي :
الفصل الأول : الطرح الإسلامي تجاه بعض قضايا الفكر السياسي المعاصر .
الفصل الثاني : أهداف الدولة في الإسلام .
الفصل الثالث : المنهاج الإسلامي [النظام السياسي في الإسلام] .
الفصل الرابع : صناعة القرار في المنهاج الإسلامي
الفصل الخامس : التعدد وفق وجهة الإسلام .
الفصل السادس : وجهة الإسلام في التحزب والحزب .
الفصل السابع : جماعات المصالح والضغط في المنهاج الإسلامي .
الفصل الثامن : الطبقة والحراك الاجتماعي في المجتمع المسلم .
الفصل التاسع : النخبة والصفوة في المجتمع المسلم .
الفصل العاشر : التفاعلات الاجتماعية الطبيعية الإنسانية [المجتمع الرشيد] .
الفصل الحادي عشر : صلة "المعارضة" بالمنهاج الإسلامي والمجتمع المسلم .
الفصل الثاني عشر : الأقليات في المجتمع المسلم .
الفصل الثالث عشر : القيم السياسية الإسلامية.
الفصل الرابع عشر : المبادئ السياسية الإسلامية .
الفصل الخامس عشر : الأيديولوجيا الإسلامية .
الفصل السادس عشر : التنشئة السياسية الإسلامية .
الفصل السابع عشر : التجنيد السياسي الإسلامي .
الفصل الثامن عشر : مسئولية النصح والتوجيه للقائمين على المنهاج الإسلامي .
الفصل التاسع عشر : تطوير نماذج وأدوات الحركة .